الأحد، 24 نوفمبر 2013

أدلة وجوب الخمس


وجوب الخمس من مسلمات المسلمين،فهو واجب كوجوب الصلاة والصيام والحج، وقد ذكر فقهاؤنا وعلماؤنا الأعلام أدلة مختلفة على وجوب الخمس،ومن تلك الأدلة: الدليل الأول: قال تعالى: وَاعْلَمُواْ أَنَّمَا غَنِمْتُم مِّن شَيْءٍ فَأَنَّ لِلّهِ خُمُسَهُ وَلِلرَّسُولِ وَلِذِي الْقُرْبَى وَالْيَتَامَى وَالْمَسَاكِينِ وَابْنِ السَّبِيلِ إِن كُنتُمْ آمَنتُمْ بِاللّهِ وَمَا أَنزَلْنَا عَلَى عَبْدِنَا يَوْمَ الْفُرْقَانِ يَوْمَ الْتَقَى الْجَمْعَانِ وَاللّهُ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرٌ [الأنفال : 41] فالآية الكريمة توجب إخراج الخمس من الغنيمة بما هي غنيمة ويدل على ذلك أن لفظ الغنيمة يعني مطلق الفائدة،فيكون شاملا لكل فائدة سواء كانت من الحرب أم من التجارة أم من الكد والكدح في الأعمال اليومية. فالآية تخاطب المؤمنين وتعلمهم بأن كل غنيمة يغنمونها ففيها الخمس،وقوله ( من شيء) لفظ عام أيضا ليس فيه تقييد بغنيمة دون أخرى. غير أن أهل السنة خصصوا الخمس بغنيمة الحرب فقط،وذلك لأنهم قالوا بأن هناك ما يمنع من الأخذ بالمعنى اللغوي والعرفي من اللفظ ( مطلق الفائدة)،وهو وحدة السياق حيث إن الآية الكريمة قد نزلت في الحديث عن الحرب في غزوة بدر الكبرى،وهذه قرينة مانعة من انعقاد الظهور في لفظ الغنيمة بمعناها اللغوي والعرفي، حيث إن الآيات السابقة والآيات اللاحقة لهذه الآية تتعلق بالجهاد والحرب والقتال مع المشركين،ومعنى ذلك فإن وحدة السياق تشكل قرينة خارجية دالة على تخصيص الغنيمة الواردة في الآية بغنيمة الحرب، ولا يصار بعد ذلك إلى مطلق الفائدة، وبالتالي فإن الخمس لا يجب إلا في غنائم الحرب فقط. ولكن يرد على هذا التقرير ما يلي: أولا: إن الجذر اللغوي لكلمة ( غنم) لم يرد فيما يؤخذ من العدو أثناء الحرب فقط،بل تشمل كل أنواع الفائدة المالية التي يتحصل عليها الإنسان. فقد جاء في ( لسان العرب ) الكتاب اللغوي المشهور :وغنم الشيء غنما: فاز به،وتغنمه واغتنمه: عده غنيمة،والغنم: الفوز بالشيء من غير مشقة.[1] وفي المفردات للراغب قال: والغنم إصابته والظفر به ثم استعمل في كل مظفور به من جهة العدى وغيرهم.[2] وفي كتاب ( مختار الصحاح)، والمغنم والغنيمة بمعنى،وقد غنم غنما،وغنمه تغنيما: نفله،واغتنمه وتغنمه:عده غنيمة.[3] وفي تاج العروس: الغُنم: الفوز بالشيء من غير مشقة[4] وفي القاموس المحيط: غنم بالكسر غنما بالضم وبالفتح والتحريك وغنيمة وغنما بالضم الفوز بالشيء بلا مشقة.[5] فالغنيمة إذن تعني مطلق الفائدة والفوز بالشيء مطلقا،سواء جاءت عن طريق الحروب بين المسلمين وغيرهم،أم جاءت عن طريق التجارة والعمل.
[1] لسان العرب ج10 ص133
[2] المفردات في غريب القرآن ص481
[3] مختار الصحاح ص482
[4] انظر مادة غنم
[5] القاموس المحيط ج4 ص158
فقد قال المفسر الكبير ( القرطبي) وهو من اهل السنة حينما جاء إلى تفسير الاية الكريمة: ( واعلموا أنما غنمتم من شيء): الغنيمة في اللغة ما يناله الرجل أو الجماعة بسعي،ومن ذلك قول الشاعر: وقد طوقت في الآفاق حتى رضيت من الغنيمة بالإياب والمغنم والغنيمة بمعنى.[1] وقال المفسر والعالم الكبير الفخر الرازي،عند تفسير هذه الآية: الغنم: الفوز بالشيء،يقال: غنم يغنم غنما فهو غانم[2]. ثم بين رأيه في الغنيمة شرعا. وقال الآلوسي في تفسيره: إن الغنم في الأصل معناه كل ربح ومنفعة[3] ثانيا: نعم إن وحدة السياق من القرائن التي يمكن أن يعتمد عليها في تحديد الظهور،فتصلح أن تكون قرينة عرفيه على جعل اللفظ ظاهرا في معنى خاص دون غيره من المعاني،إلا أن الآية الكريمة بناء على القول بوحدة السياق فهي قد جاءت في الحديث عن الحرب في غزوة بدر الكبرى دون غيرها،وأنها قد قررت وجوب إخراج الخمس من غنائم الحرب في بدر. ومعنى ذلك أن وحدة السياق قد خصص الخمس في غنائم بدر دون غيرها،ولا يمكننا تعميم لفظ ( غنمتم) إلى عموم غنائم الحرب في كل المعارك التي تقع بين المسلمين والكفار. وبالتالي لن نتمكن من الاستفادة من هذه الآية في وجوب الخمس في غنائم الحروب الأخرى سوى معركة بدر،ونحن بحاجة إلى دليل آخر نستفيد منه تعميم وجوب الخمس في غنائم المعارك الأخرى. ولا شك أن هذا التحديد باطل لا يقر به أحد،ومعنى ذلك بطلان التحديد بالحرب بناء على وحدة السياق،وهذا يثبت تمامية ما عليه الشيعة من القول بأن الغنيمة الواردة في الآية الكريمة عامة تشمل كل ما يغنمه الإنسان ويكسبه من التجارة والعمل،كما مر في معناها اللغوي والعرفي من السعة والعموم. ثالثا: لقد ورد على ألسنة علماء الأصول قولهم: المورد لا يخصص الوارد. أي أن ورود الحكم في قضية معينة أو غزوة محددة لا يعني تخصيص الحكم بها بل يعمها وغيرها،ومن ذلك أن بعض الآيات جاءت في القرآن الكريم وفيها أحكام نزلت في قضايا معينة ولكنها أخذت عامة ،ومن ذلك قوله تعالى: مَّا أَفَاء اللَّهُ عَلَى رَسُولِهِ مِنْ أَهْلِ الْقُرَى فَلِلَّهِ وَلِلرَّسُولِ وَلِذِي الْقُرْبَى وَالْيَتَامَى وَالْمَسَاكِينِ وَابْنِ السَّبِيلِ كَيْ لَا يَكُونَ دُولَةً بَيْنَ الْأَغْنِيَاء مِنكُمْ وَمَا آتَاكُمُ الرَّسُولُ فَخُذُوهُ وَمَا نَهَاكُمْ عَنْهُ فَانتَهُوا وَاتَّقُوا اللَّهَ إِنَّ اللَّهَ شَدِيدُ الْعِقَابِ [الحشر : 7] فإن الآية الكريمة بصدد حكم الفيء وهي الأموال التي تقع بيد المسلمين من دون أن تقع حرب بين الجانبين، وبتعبير أدق الأراضي والأموال التي لم يوجف عليها بخيل ولا ركاب، ولكن هل أن قوله تعالى ( وما آتاكم الرسول..... ) مختص بقضية الفيء فقط وأما بقية الأمور فلا يشملها؟ بلى إن الآية الكريمة توجب على الناس الأخذ بكل ما جاء به الرسول صلى الله عليه وآله،وتوجب عليهم أيضا الانتهاء عما نهاهم عنه،فهي بصدد حكم كلي حول الالتزام بكل ما جاء به الرسول صلى الله عليه وآله من أحكام. وقال الأصوليون أيضا في هذا الباب: العبرة بعموم اللفظ لا بخصوص السبب أي أن العموم هو المقدم وهو الذي يؤخذ به،لا أن يؤخذ بخصوص سبب الحكم ونزوله،فآية ( واعلموا أنما غنمتم من شيء) وإن كان سببها غنائم بدر أو سببها الجهاد ومقتلة الكفار، لكنها تعم كل غنيمة أي كل فائدة. وقد جاء في سورة البقرة قوله تعالى: وَالْوَالِدَاتُ يُرْضِعْنَ أَوْلاَدَهُنَّ حَوْلَيْنِ كَامِلَيْنِ لِمَنْ أَرَادَ أَن يُتِمَّ الرَّضَاعَةَ وَعلَى الْمَوْلُودِ لَهُ رِزْقُهُنَّ وَكِسْوَتُهُنَّ بِالْمَعْرُوفِ لاَ تُكَلَّفُ نَفْسٌ إِلاَّ وُسْعَهَا لاَ تُضَآرَّ وَالِدَةٌ بِوَلَدِهَا وَلاَ مَوْلُودٌ لَّهُ بِوَلَدِهِ وَعَلَى الْوَارِثِ مِثْلُ ذَلِكَ فَإِنْ أَرَادَا فِصَالاً عَن تَرَاضٍ مِّنْهُمَا وَتَشَاوُرٍ فَلاَ جُنَاحَ عَلَيْهِمَا وَإِنْ أَرَدتُّمْ أَن تَسْتَرْضِعُواْ أَوْلاَدَكُمْ فَلاَ جُنَاحَ عَلَيْكُمْ إِذَا سَلَّمْتُم مَّا آتَيْتُم بِالْمَعْرُوفِ وَاتَّقُواْ اللّهَ وَاعْلَمُواْ أَنَّ اللّهَ بِمَا تَعْمَلُونَ بَصِيرٌ [البقرة : 233] فقوله تعالى: ( لا تكلف نفس إلا وسعها) ، قد جاءت هنا في سياق الآية الكريمة حول الوالدات المرضعات وما لهن من أجر على والد الطفل،فعلى والد الطفل أن يبذل للوالدة المرضعة الرزق والكسوة بالمعروف حسب قدرته وسعة ذات يده. ولكن هذا السياق ،وهذا السبب،وهذا المورد لم يخصص عدم تكليف النفس فوق وسعها بهذه القضية بل أصبح عدم التكلف قانونا عاما في كل شيء،وحكما كليا لجميع الموارد الأخرى.
[1] الجامع لأحكام القرآن ج8 ص1
[2] تفسير الفخر الرازي ج8 ص170
[3] تفسير روح المعاني ج10 ص2

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق

ارحب بوضع بصمتكم فاهلا وسهلا بكم :