الثلاثاء، 9 أبريل 2013

الاِمامة والاِختلاف في العبادة

النقطة الاَولى: أن الاَنبياء عندما يرسلهم الله سبحانه وتعالى إلى عباده كانوا يقومون بمهمات ذات بعدين رئيسيين:

أحدهما: البلاغ والاِنذار لهؤلاء الناس فيبيّنوا الرسالة بتفاصيلها المطلوبة، وهذا ما قام به رسول الله صلى الله عليه وآله في الرسالة الخاتمة، وقام به الاَنبياء السابقون ـ أيضاً ـ في الرسالات الاَخرى.

ثانيهما: مواجهة ظاهرة الاِختلاف في المجتمع الاِنساني والعمل... على حله، لاَن الله تعالى يقول: (...فَبَعَثَ اللهُ النَّبِيِّينَ مُبَشِّرِينَ وَمُنْذِرِينَ وَأَنْزَلَ مَعَهُمُ الْكِتَابَ بِالْحَقِّ لِيَحْكُمَ بَيْنَ النَّاسِ فِيَما اخْتَلَفُواْ فِيهِ...)(1)

وتدخل مهمة التزكية والتطهير ومهمة التعليم، كنتيجة لهاتين المهمتين الرئيسيتين.

إذن، قضية الاِختلاف هي قضية مهمة جداً يواجهها الاَنبياء في عملهم وحركتهم، والاِختلاف هنا هو أختلاف في المثل العليا التي يتخذها هؤلاء الناس للعبادة وفهمهم للحياة والكون وحركتهم

____________

(1) البقرة:213.

--------------------------------------------------------------------------------

--------------------------------------------------------------------------------

الاجتماعية، حيث يتخذ هؤلاء الناس لهم الآلهة المصطنعة ـ والمثل المحدودة، أو التكرارية(1) والاَسماء المزيفة المستلهمة من القوى الموجودة في هذا الكون، أو الشهوات والاَهواء والميول، أو الطغاة والمستكبرين والمترفين، أو من تقليد الاَباء والاَجداد ـ يعبدونها من دون الله.

ولما كان عمر الرسول محدوداً ـ عادة ـ لايستوعب الزمان الكافي لحل هذا النوع من الاَختلاف خارجياً، بحيث يمكّنه من إزاحة جميع العوائق والموانع التي تقوم أمام الرسالة في حركتها الاجتماعية والاِنسانية، تصبح الرسالة بحاجة إلى قيادة معصومة للحركة الاجتماعية وإدامة العمل لحل هذا النوع من الاِختلاف، وهذه الحاجة ثابتة في كل الرسالات الاِلهية، فكيف إذا كانت الرسالة رسالة خاتمة طويلة، يراد لها أن تعم الاَرض كلها، وتزيل جميع الآلهة المصطنعة، والاَمثلة التي يبتدعها الاِنسان وتنتصب في وسط الطريق.

لذا كانت الحاجة قائمة لوجود القائد وهو الاِنسان الكامل الذي نعبر عنه بالاِمام، ليقود معركة تحرير الاِنسان من كل هذه الآلهة

____________

(1) إصطلاح إستخدمه الشهيد الصدر قدس سره في بحثه حول التفسير الموضوعي، عندما طرح فكرة المثل الاَعلى في العبادة:184.

--------------------------------------------------------------------------------

--------------------------------------------------------------------------------

والقيود، وتحقيق العبادة المطلقة لله تعالى، دون غيره من الآلهة، وهو المثل الاَعلى للحق، لاَن معركة التحرير هذه تحتاج إلى شخص يتصف بالاستيعاب الكامل والرؤية الواضحة للرسالة من ناحية، والشعور العالي بالمسؤولية أمام الله تعالى في إدامة المعركة والاِدارة القوية في إدارة المعركة التي تعتمد على جهاد النفس من ناحية أخرى.

وهذا السبب هو ما أشار إليه الشهيد الصدر قدس سره في حديثه حول ضرورة الاِمامة بعد الرسول، وقد أعطى الاِمامة مضموناً شاملاً، يتحد مع النبوة أحياناً، عندما تكون الحاجة إلى النبي والقائد معاً، ويفترق عنها أحياناً أخرى، عندما تكون الحاجة إلى القائد وحده، ولكنه على أي يرتبط بهذه المهمة الخاصة وهي قيادة المعركة، وهو ما عبر عنه الشهيد الصدر قدس سره بقيادة المعركة التي يواجهها الاَنبياء في المجتمعات الاِنسانية، لاِزالة كل الاَمثلة المزيفة والآلهة المصطنعة الذي يخترعها الاِنسان ويبتدعها، سواء كانت هذه الاَمثلة المصطنعة والآلهة المزيفة عبارة عن طواغيت يحكمون بين الناس أو كانت شهوات وهوى يتحكم في مسيرة هؤلاء الناس، أو كانت أفكار منحرفة يختلقها الاِنسان ويبتكرها، فيجعلها مثالاً له يقتدي ويهتدي به، فيتحول إلى
--------------------------------------------------------------------------------

--------------------------------------------------------------------------------

إله يعبده من دون الله، كما قال تعالى: (إِنْ هِيَ إِلاَّ أَسْماءٌ سَمَّيْتُمُوهَا أَنتُمْ وَءَابَآؤُكُم مَآ أَنزَلَ اللهُ بِهَا مِن سُلْطَـنٍ...)(1) فهي معركة إزاحة هذه الآلهة المصطنعة عن طريق الهدى والصلاح والخير الذي يقوده الاَنبياء(2)

وهذه المعركة عمرها أطول من عمر النبي، فإن عمر الرسول مهما طال زمانه، لا يستوعب زمان الاِختلاف، لاَن الله تعالى جعل قضية الاِختلاف بين الناس سنّة من السنن الطبيعية التي تحكم حركة التاريخ في كل الاَدوار، فقضية الاَختلاف، قضية قائمة لا يختلف فيها زمان عن زمان، ولا تنتهي هذه القضية إلا بنهاية حركة البشرية، والقرآن الكريم يشير إلى ذلك ـ أيضاً ـ في قوله تعالى: (وَلَوْ شَآءَ رَبُّكَ لَجَعَلَ النَّاسَ أُمَّةً وَحِدَةً وَلاَيَزَالُونَ مُخْتَلِفِينَ*إِلاَّ مَن رَّحِمَ رَبُّكَ وَلِذلِكَ خَلَقَهُمْ...)(3)

إذن، فالمعركة ضد الاِختلاف تحتاج إلى من يقودها، وزمنها أطول من زمن النبي، ولو كانت هذه المعركة تنتهي بزمن النبي كان يمكن

____________

(1) النجم:23.

(2) التفسير الموضوعي:195ـ 196.

(3) هود: 118 ـ 119.

------------------------------------------------------------------------------
--------------------------------------------------------------------------------

للنبي أن ينهي المعركة ولا نحتاج إلى من يقودها من بعده، ولكنه لما كانت هذه القضية هي سنّة تحكم حركة التاريخ، فنحتاج إلى من يقود هذه المعركة، معركة إزاحة الآلهة المزيفة والمصطنعة أمام الحركة التكاملية للاِنسان.

وقيادة هذه المعركة تارة تكون من قبل نبي يقوم بدور الاِمام ـ أيضاً ـ كما في كثير من الاَنبياء السابقين التابعين، وأخرى تكون من قبل الاِمام الذي لا يتصف بعنوان النبوة لعدم الحاجة إليها، ولما كانت الرسالة الاِسلامية هي الرسالة الخاتمة، الكاملة، المحفوظة، ونبوة محّمد صلى الله عليه وآله لا نبوة بعدها، اقتضى أن يكون الدور للاِمامة التي لا تتصف بالنبوة.

والشواهد على هذه الحقيقة عديدة وليست مجرد الآيات القرآنية التي أشرت إليها، وإن كانت تكفي هذه الآيات أن تكون شاهداً ودليلاً عليها، ولكن الواقع التاريخي شاهد ـ أيضاً ـ على هذه الحقيقة، فإن ظاهرة الاَختلاف ظاهرة قائمة وثابتة في التاريخ الاِنساني ـ كما ذكرنا ـ كما أنها ظاهرة ثابتة في التاريخ الاِسلامي في زمن النبي وبعده، ولا يمكن لاَحد من الناس أن ينكرها أو يخفيها، وهذه القضية ليست مجرد قضية نظرية، وإنما هي قضية ذات واقع قائم في المجتمع

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق

ارحب بوضع بصمتكم فاهلا وسهلا بكم :